بقلم : عبدالله حافيظي السباعي الإدريسي باحث متخصص في الشؤون الصحراوية
الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم الجمعة 6 نونبر 2009 ، يعد منعطفا في تاريخ المغرب السياسي الحديث ويمتاز بالواقعية الضاربة في أعماق الواقع السياسي والاجتماعي لجنوب المغرب .
كان جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وطيب ثراه عالما عملاقا لم يجد التاريخ بمثله وكان صريح قويا ولكن لم يقل يوما في خطاباته كل الحقيقة حول مشكل الصحراء المغربية وذلك لأسباب لا يعرفها إلا الراسخون في العلم .
نلاحظ أن وارث سره جلالة الملك محمد السادس قال في خطابه في الذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء كل الحقيقة فلا منزلة بين المنزلتين لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار ، لا مكان لأصحاب الأعراف ، ومعلوم ان اغلب منظري الجنوب هم من هذا الصنف لا هؤلاء ولا هؤلاء، ومعلوم أيضا وهذه حقيقة لا غبار عليها ان الوسيلة الأنجع لاعتلاء المناصب والغنى المادي والحظوة عند أصحاب السلطة أضحت تختزل كلها في الخيانة ، فمن يبذل مال المغرب في تمويل حملات الإرجاف ضد المغرب والمغاربة في داخل المغرب وخارجه ،هم من يعتني بهم المغرب ويستمع إليهم ، وهم المستفيد الأول من دوام الأزمات ، فكل أزمة في جنوب المغرب مصدرا من مصادر رزقهم .
نجدد لكم البيعة يا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس بن الحسن الثاني ونقول لكم وبكل صراحة أنكم وضعتم الأصبع على الجرح وشخصتم المرض في خطابكم هذا أمام العالم وأمام المغاربة جميعا، إني مع الرجوع التائب من ذنب يغفر لشخص اقترفه في جاهليته ، أو مرغما غير باغ ولا عاد ، فذلك الشخص إذا عاد إلى المغرب وبايع جلالتكم على ان لا يكون مزدوج الولاء ، فنحن نرى ان تلك البيعة تخرجه من مخيمات الحمادة روحيا بعد ان خرج جسديا وان تلك البيعة تجب ما قبلها وان تلك البيعة هي الشاهد على شروط التوبة والرهان على الندم على ما فات والتصميم على عدم العودة مستقبلا ، ولا نمانع في تأليف القلوب ، ولا كن من كانت هجرته من مخيمات الحمادة إلى المغرب إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ... فمن كانت له قنوات غامضة إلى الانفصاليين عبر لاس بلماس أو برشلونة وكادس أو الزويرات ونواذبو ونواكشوط ودول افريقية وأروبية أخرى ...فلا بيعة له ولا توبة ولا دين ولا وطن .
يقدر الخبراء الوطنيون المغاربة ان 85 في المائة من السيولة المالية للانفصاليين تضخ من اكبر مدن الأقاليم الجنوبية ، وأظن ان هذه الحقائق يعرفها القاصي والداني لطول استمرارها ... والبعض لا يلوم هؤلاء لان أخاك مهما اختلفت معه في السياسة والفكر فانك لا تستطيع ان تتركه يموت جوعا في مخيمات الحمادة ، ولا يحق لأي كان ان يترك أخاه عرضة للضياع ... فما حاجتي بالمال ابغي وفوره إذا لم افر عرضي فلا وفر ألوفر .
لقد طرحت فكرة اللا مركزية أو الجهوية الموسعة في المغرب ، طرحها المغفور له الملك لحسن الثاني طيب لله تراه وكنا نرى ان أصحاب المنزلة بين المنزلتين والمؤلفة قلوبهم من مغرب الاستقلال هم من حال دون تطبيقها فهم لا يريدون ان تموت البقرة الحلوب التي يتغذون منها، كما تعودوا على الصيد في المياه العكرة ويمقتون الشفافية والوضوح ويحبون العيش في الظلام وأنا لا أعمم لان من بين الصحراويين من صادقوا ما عاهدوا الله وما بذلوا تبديلا ... كما ان للوم كل اللون موجه إلى المؤلفة قلوبهم ممن تجروا بالوطنية وخانوا الله والوطن والملك من المسئولين لمغربة الذين كانوا ولا يزالوا يتاجرون بملف الصحراء المغربية ، ويعملون على إبقائه مفتوحا ما داما يدر حليبا طازجا.
وألان وقد قدت أقمصة بعضهم من قبل ، وقام عليهم الذليل ، يجب التعاون معهم على هذا الأساس ، فخيانة الوطن العظمى خيانة عظمى ، وخدعة الوطن العظمى خدعة عظمى ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، والحمد الله على ان خطاب جلالة الملك هذا أكد أن أصحاب الجنة هم الفائزون ولو كان اصحب النار لا يزالون يتمتعون بكل الامتيازات الظاهرة والباطنة وأصحاب الجنة يعيشون على الأمل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ...لقد بدل المغرب جهودا جبارة في تنمية أقاليمه الجنوبية ويلاحظ أن البني التحتية في الجنوب تم انجازها بما يتجاوز أحيانا جودة البنى التحتية داخل مدن المملكة ، وظلت أغلب الموارد البشرية في المنزلة بين المنزلتين ، وذلك إشكال في منتهى الصعوبة ، المغرب نجح في بناء الأرض ولم ينجح في بناء الإنسان الصحراوي ، استعاد لصحراء ولن ويستعد قلوب أهلها .
ويقتضي التفكير بعمق لنستبين نوعية هذا الإنسان في الأقاليم الجنوبية لنقارنه بعض إخواننا الصحراويين ـ وأنا من غزية ـ بأصناف البشر في المملكة المغربية : فهل الصحراوي هو البدوي الذي ألف الترحاب والتنقل ولا يريد الاستقرار الذي تمليه أبجديات المدنية... ؟ أم هو ذلك الرجل التقي الورع العالم النحر ير الذي يخشى الله في السر والعلن ولا يبغي في الأرض علوا ولا فسادا ، في أمواله نصيب للفقير والسائل والمحروم وابن السبيل...؟أم هو ذلك الإنسان العبقري الذي يجيد استغلال الدول والشعوب والمناسبات بأقصى ما يمكن أن يكون الاستغلال دون وفاء لأي شيء ...؟ أم هو ذلك البليد الجاهل والذي يقترب من أخلاق جمال الصحراء الحاقدة والتي تتربص الدوائر للانقضاض على رفقاء دربها ... ؟أم ان الأوان أن نلجم هذه الجمل وان نقول له ملء أفواهنا : ان محبة الوطن من الإيمان ، ولا خير في امرء لم يخلص لخالقه ولملكه ولوطنه : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله يقضي بالحق ، والذين تدعون من دونه لا يقضون بشئ ، ان الله هو السميع البصير .